مفاوضات غزة- إسرائيل توافق، وحماس تتردد، واليمين المتطرف صامت.

المؤلف: حلمي مُوسى08.31.2025
مفاوضات غزة- إسرائيل توافق، وحماس تتردد، واليمين المتطرف صامت.

منذ أسابيع عديدة، تدور رحى المفاوضات حول تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بوتيرة متفاوتة، فتارةً تتسارع وتارةً تتوقف. فإسرائيل تعلن على الملأ أنها منخرطة في مفاوضات "تحت نيران الحرب"، مؤكدةً أن هدفها الأساسي ليس إنهاء الصراع، بل تحقيق الأهداف العسكرية المرسومة لها.

في المقابل، أبدت حركة حماس استعدادها الكامل للدخول في صفقة شاملة تهدف إلى ترك إدارة شؤون الحكم في غزة وإتمام عملية تبادل الأسرى، بالإضافة إلى وضع نهاية للحرب الدائرة، وذلك تمهيدًا للبدء في إعادة إعمار القطاع المدمر.

وبات واضحًا للكثيرين، حتى داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته، أن إطالة أمد الحرب ما هو إلا مسعى سياسي يخدم المصالح الحزبية الضيقة لرئيس الوزراء نتنياهو وحلفائه من اليمين المتطرف.

وبعد سلسلة طويلة من المداولات المعمقة والصياغات المتنوعة، التي كانت في بعض الأحيان تحظى بقبول من حركة حماس ورفض من الجانب الإسرائيلي، كان آخرها الاقتراح الذي تقدم به الوسيط بشارة بحبح، والذي حظي بدعم أمريكي واسع. إلا أن هذا المقترح أثار استياءً إسرائيليًا بالغًا، الأمر الذي دفع وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، ورئيس جهاز الموساد، ديدي بارنيع، إلى الاجتماع بويتكوف ومناقشة الأمر معه بشكل مطول ومستفيض.

وقد أسفر هذا الاجتماع عن تبني ويتكوف للاقتراح الأخير الذي قدمه ديرمر، والذي كان بمثابة الرد الإسرائيلي على مقترح بحبح. وسرعان ما قام ويتكوف بعرض هذا المقترح على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تبناه بدوره وأعاد إرساله إلى كلا الطرفين. وفي هذا الصدد، أفاد مصدر إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة "معاريف" بأن " ويتكوف قد تبنى موقف ديرمر بشكل كامل، وتجاهل مقترح بشارة تمامًا".

وأضاف المصدر ذاته أنه "بخلاف ما تم تداوله من تقارير، فإن اتفاق ويتكوف الأخير لم يحدد الخطوط العريضة لانتشار القوات الإسرائيلية، ولا الآلية المتبعة لتوزيع المساعدات في إطار وقف إطلاق النار". كما أكد مصدر آخر أن المقترح قد صيغ بالتنسيق الكامل مع الجانب الإسرائيلي، وذلك عقب الاجتماع الذي جمع ويتكوف مع الوزير رون ديرمر في البيت الأبيض يوم الثلاثاء.

وهنا يكمن جوهر الموقف الإسرائيلي، حيث يستطيع بنيامين نتنياهو أن يؤكد لحليفَيه في اليمين المتطرف، سموتريتش وبن غفير، أنه – كما كان يفعل دائمًا – قادر على إقناع الأمريكيين بتبني مواقفه، وها هم قد فعلوا ذلك بالفعل.

وبناءً على ذلك، لم يطرأ أي تغيير جوهري على الموقف الإسرائيلي، لأن مقترح ويتكوف الأخير ما هو إلا اقتراح إسرائيلي في الأساس، وهو لا يطالب إسرائيل بإنهاء الحرب ولا يضمن لحركة حماس تحقيق هذا الهدف.

ولا يقل أهمية عن ذلك أنه تم تضمين المقترح عبارات وردت في اتفاق التبادل الذي أفضى إلى الهدنة السابقة، والتي لم تمنع إسرائيل من استئناف الحرب مرة أخرى. علاوة على ذلك، لا يوجد في المقترح الجديد ما يمس أسلوب توزيع المساعدات، والذي يتماشى مع الموقف الإسرائيلي الرامي إلى "تحقيق خطة ترامب" لتهجير أهالي قطاع غزة.

وقد حظي موقف نتنياهو بدعم من رئيس الأركان الجنرال إيال زامير، حيث قامت جهات إسرائيلية بتسريب موقف له خلال اجتماع مغلق لهيئة الأركان، يربط فيه قطاع غزة بالملف الإيراني. ووفقًا لمصدرَين حضرا المناقشات، قال زامير: "إن صفقة الرهائن ليست مجرد التزام أخلاقي فحسب، وليست هدفًا لزيادة الضغط العسكري على حركة حماس فحسب، بل إنها ستسمح لنا أيضًا بالتركيز على إيران".

ووفقًا لما ذكرته صحيفة "غلوبس"، فإن هذا التصريح يعد هامًا للغاية، وقد يشير إلى وجود تقييمات على مستوى القيادة العسكرية، وليس فقط على المستوى السياسي، بشأن الحاجة الماسة للتركيز على الساحة الإيرانية، وذلك في ضوء المفاوضات الجارية مع طهران، بل وأكثر من ذلك في حال فشل هذه المفاوضات.

وهكذا، وبعد سلسلة من المداولات السياسية والأمنية، ومن دون اتخاذ قرارات رسمية، أبلغ نتنياهو عائلات الأسرى الإسرائيليين بأنه قد وافق على مقترح ويتكوف الأخير. كما أعلن البيت الأبيض رسميًا أن " إسرائيل قد وافقت على اقتراح وقف إطلاق النار، ونحن ننتظر رد حركة حماس على هذا الاقتراح".

وهكذا، وفي إطار لعبة شبه مكشوفة بين أمريكا وإسرائيل، تم استبعاد مقترح بحبح الذي وافقت عليه حركة حماس، من دون إبداء أي غضب تجاه الرفض الإسرائيلي العلني له. وبات على حركة حماس أن تثبت، أمام الأمريكيين والعالم أجمع، جديتها في قبول المقترح، وذلك بعد أن وافقت عليه إسرائيل.

في المقابل، يرى البعض أن مقترح ويتكوف الأصلي، الذي طالب بإطلاق سراح نصف الأحياء والأموات من الأسرى الإسرائيليين، مقابل هدنة وضمانات أمريكية باستمرار المفاوضات لإنهاء الحرب، كان أكثر إنصافًا وعدالة من المقترح الجديد.

والواقع أنه في الأيام الأخيرة، تزايدت الأنباء حول قبول حركة حماس لمقترح ويتكوف، في حين كانت إسرائيل تكرر دائمًا أن ما وافقت عليه حركة حماس ليس هو ما وافقت عليه إسرائيل. وهذا يعني فعليًا أن أطراف الوساطة كانت تتداول فيما بينها أكثر من صيغة تحمل اسم مقترح ويتكوف.

وعلى هذا الأساس، كانت تظهر التناقضات والتراجعات في مواقف كل من إسرائيل وحركة حماس. أما الآن، فقد باتت الصيغة المعروضة واحدة، وهي تقريبًا المقبولة من الجانب الإسرائيلي وحده، والتي تحاول حركة حماس تعديلها حتى لا تضطر إلى إعلان رفضها بشكل صريح.

وهذا يفسر شدة الحملة العسكرية الإسرائيلية الشرسة على القطاع، والتي تتضمن القتل والتدمير والحصار، وذلك في إطار مخطط يهدف إلى إجبار حركة حماس على قبول هذه الصيغة، وعدم انتظار أي صيغة أخرى.

وقد تناقلت العديد من وسائل الإعلام تقارير متضاربة حول موقف حركة حماس، ولم تتوقف هذه التقارير إلا بعد أن أعلنت الحركة أن "الشائعات التي تتحدث عن حدوث تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة غير دقيقة".

وفي هذا السياق، صرح عضو المكتب السياسي لحركة حماس، باسم نعيم، قائلاً: "الاتفاق الذي وافقت عليه إسرائيل لا يلبي مطالبنا. وقيادة حركة حماس تدرس بمسؤولية ردها على مقترح ويتكوف". وهذا ما دفع البعض إلى القول بأن حركة حماس سوف تكرر موقفًا سابقًا لها، وهو المماطلة في الرد أو استخدام أسلوب: "نعم ولكن". وهذا ما دفع المصادر الإسرائيلية إلى المسارعة بالقول: "حركة حماس لم توافق على المقترح ولم ترد عليه حتى الآن".

صمت اليمين المتطرف

التزم اليمين المتطرف داخل حكومة نتنياهو بالصمت لساعات طويلة إزاء الأنباء الأولية التي تحدثت عن قرب التوصل إلى اتفاق، وذلك بعد أن جرى إبلاغ أمريكا بموافقة حكومة نتنياهو على مقترح ويتكوف الأخير. وفي هذا الصمت دلالات واضحة على اللعبة الدائرة في المفاوضات الجارية مع أمريكا. فوزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، لم يعلق على الأمر إلا بعد أن تزايدت التقديرات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بشأن رفض حركة حماس لهذا المقترح.

وكتب بن غفير في حسابه على موقع إكس: "سيدي رئيس الوزراء، بعد أن رفضت حركة حماس مقترح الصفقة مرة أخرى، لم يعد هناك أي عذر لأي شخص لمواصلة هذا التلاعب في غزة. لقد فوّتنا ما يكفي من الفرص. لقد حان الوقت للهجوم بكل قوتنا، لتدمير حماس وقتلها وهزيمتها".

أما وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، فقد أرسل أكثر من رسالة إلى ديوان رئاسة الحكومة، معلنًا رفضه التام للصفقة. وتوحي هذه الطريقة التي اتبعها سموتريتش لنتنياهو بأن سموتريتش وبن غفير لا يعتزمان تصعيد الموقف معه بشأن هذه الصفقة.

وربما كان الاعتراض الواضح على الصفقة من نصيب الوزير الليكودي عميحاي شيكلي، الذي انتقد الاتفاق الناشئ قائلاً: "يجب أن ندع المقاتلين يكملون مهمتهم حتى النهاية. وعلى حركة حماس أن ترفع الراية البيضاء وتُلقي أسلحتها، وأن تُطلق سراح جميع المختطفين، مقابل إمكانية خروج قادة حماس الباقين على قيد الحياة من غزة".

وقد برز خلاف جدي داخل الحكومة الإسرائيلية بين من يؤيدون إبرام صفقة جزئية ومن يريدون صفقة شاملة، ومن يرفضون من حيث المبدأ إبرام أي صفقات مع حركة حماس. وأعلن نتنياهو مرارًا وتكرارًا أنه يؤيد إبرام صفقة جزئية تبقي لإسرائيل خيار مواصلة الحرب إلى حين تحقيق كافة أهدافها، بما في ذلك تهجير سكان قطاع غزة.

وهذا يعني الاستعداد لهدن محدودة مقابل الإفراج عن عدد معين من الأسرى والجثامين. ولكن سموتريتش، على سبيل المثال، حدد مؤخرًا ما أسماه الخط الأحمر، وقال إنه يتمثل في إنهاء الحرب والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.

وقال يوم الثلاثاء الماضي تحديدًا: "تتعرض حركة حماس لضغوط هائلة وتواجه ضيقًا شديدًا في الأيام الأخيرة، وذلك نتيجة لتغيير نظام توزيع المساعدات وفقدانها السيطرة على سكان القطاع، بالإضافة إلى الضغط العسكري المستمر".

وأضاف: "يجب أن نواصل تضييق الخناق عليها وإجبارها على إبرام صفقة استسلام كاملة مع جميع الرهائن دفعة واحدة. وسيكون من الحماقة بمكان تخفيف الضغط في هذه المرحلة، وتوقيع صفقة جزئية معها من شأنه أن يمنحها الأكسجين وشريان الحياة ويسمح لها بالتعافي مجددًا. وأنا لن أسمح بحدوث شيء كهذا على الإطلاق".

إسرائيل ترد بـ"نعم" وحماس بلا "لا"

نتنياهو يعرض على حلفائه مقترح ويتكوف الجديد، ويصفه بأنه لا يتضمن أي إخلال بالمبادئ التي طالما نادى بها، وإن كان هناك أي تراجع فهو تراجع طفيف يهدف فقط إلى استعادة ثقة أمريكا بإسرائيل.

وقد ضمنت هذه الموافقة على المقترح خروج المسؤولين الأمريكيين قريبًا للبدء باتهام حركة حماس بالتشدد ورفض المساومات، والقول بأنها قد خيبت آمال الكثيرين، وفشلت في إبعاد المخاطر عن شعبها. ومن خلال استقراء ردود الفعل الأولية لقادة حركة حماس، يمكن القول إن التفاؤل الذي طفا على السطح في الأيام الماضية بشأن فرص تحقيق تقدم ملموس، قد تراجع بشكل ملحوظ.

ووَفقًا لما ذكره معلّقون بارزون، فإن نقاط الخلاف الجوهرية تتمثل في أنه بعد القبول بالمقترح، سيجري التفاوض على الكثير من المسائل العالقة وغير المحسومة. فالاتفاق يتضمن التزامًا بالتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار خلال فترة الستين يومًا التي تشكل مدة وقف النار المؤقت. وخلال تلك الفترة، ستقدم حركة حماس تقريرًا صحيًا كاملاً عن وضع الأسرى لديها، وسيتم التفاوض على مفتاح التبادل المستقبلي بين الطرفين، وعلى خطوط انسحاب القوات الإسرائيلية والترتيبات الأمنية، بالإضافة إلى مسألة إدارة القطاع في اليوم التالي.

وينص الاقتراح أيضًا على أن ترامب سيعمل جاهدًا على ضمان أن تؤدي مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم، في حال نجاحها، إلى تسوية نهائية ودائمة لإنهاء هذا النزاع. ويشدد الاقتراح على ضرورة توصل الطرفين إلى اتفاق نهائي بشأن وقف دائم لإطلاق النار خلال مدة أقصاها 60 يومًا.

وفي حال التوصل إلى اتفاق نهائي، سيتم إطلاق سراح الرهائن المتبقين. وإلا، فإنه يُمكن تمديد وقف إطلاق النار "بشروط ولمدة زمنية يتفق عليها الطرفان، شريطة أن يُجريا المفاوضات بحسن نية".

وفي نظر حركة حماس، فإن المقترح لم يتضمن أي ضمانات أمريكية جدية بالضغط من أجل وقف شامل للحرب، كما أنه لا يتضمن نصًا صريحًا وواضحًا بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى خطوط ما قبل انتهاك الهدنة.

كما تجاهل المقترح بشكل تام مطلب حركة حماس بألا يكون بوسع إسرائيل استئناف القتال مرة أخرى، كما فعلت في شهر مارس/ آذار الفائت.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة